الأحد، 27 أكتوبر 2019

تعليمنا إلى أين؟

تعليمنا إلى أين؟
ورقة عمل تقديم المشرف التربوي
خالد بن محمد الشهري
يتفق جميع المتحدثين عن أسباب تأخر المسلمين
وضعفهم على أن ذلك مرتبط بالتعليم كما يتفق جميع المصلحين السياسيين والاجتماعيين والنهضويين على أن أول أسباب النهوض بالمجتمع هو إصلاح التعليم – وبخاصة التعليم العام – حيث إنّ جميع أفراد المجتمع يمرّون به ويقضون فيه أولى سنيّ حياتهم بعد التمييز.
والناظر في أحوال الأمم المتقدّمة والغالبة من حولنا والتي تشكل العالم الأول يلحظ أن التعليم فيها له خصائص وميزات لا توجد في غيره من المجتمعات وأنّ الدول التي نهضت لاحقًا إنما كان ذلك بسبب عنايتها بالتعليم.
كل ذلك الاهتمام بالتعليم يتّفق عليه الجميع ويدركه جميع المصلحين على اختلاف أطيافهم؛ ولكن مع ذلك فإن كلامهم يظلّ عامًّا وإنشائيًّا لا يدخل ضمن مفاصل التعليم ولا يُشرِّح أجزاءه بشكلٍ واضح؛ ومن ثم يجب مقاربة مشكلات التعليم ووصف واقعه من الداخل من خلال بيان واقع تعليمنا المعاصر كما هو دون زيادة أو نقصان ليتسنّى لنا بعد ذلك أن نشخّص الدّاء الذي يمكننا في النهاية من وصف الدواء.
حين نتحدث عن واقع التعليم المعاصر فإننا سنحتاج إلى الكثير من الوقت، ولذا فإنني سأحاول أن أركز على المفاصل الرئيسة للتعليم من وجهة نظري وأرجو أن أوفق في ذلك.
لاشك أن المقصود بمؤسسات التعليم هي المدارس, ولا يمكن بأي حال أن تقوم مدرسة بدون معلم وطالب, إذًا هما أهم عناصر العملية التعليمية وعليهما تقوم, وكل ما سواهما في الميدان إنما وجد لخدمتهما فهما الأصل في العملية التعليمية, وأي محاولة لدراسة مشكلات التعليم لا تعطي تصورًا واضحًا دون إعطاء المعلم والطالب حقهما من البحث.
فما هو واقع المدرسة اليوم؟, وما هو واقع الطالب اليوم؟, وماذا تعني المدرسة للطالب؟, وما هو واقع المعلم اليوم؟, وماذا تعني المدرسة للمعلم؟
لا أشك أن الإجابة على هذه الأسئلة ستختصر لنا كثيرًا من التفاصيل التي ربما تعرفون الكثير منها من خلال علاقتكم بالمدرسة كمعلمين أو طلاب سابقين أو أولياء أمور لطلاب حاليًا.
واقع المدرسة اليوم
يقول أحد التربويين: تفشل المدرسة نظرًا لعدم امتلاكها لأساليب تعليمية فعالة، فهي تعتمد أساليب تلقينية أحادية البعد منزوعة عن سياق الحياة الحقيقي، لا تخاطب اهتمامات التلاميذ الحقيقية، فيغدو التعليم بالنسبة لهم دون مغزى يذكر, وتتحول الحياة داخل المدرسة إلى حياة فاترة مصطنعة تستثير الإحباط والملل, وهذا مناخ يصعب فيه إلى حد كبير تحقيق تعليم سداه الفهم ولحمته الاهتمام.
لقد ركّزت أغلب المدارس في معظم الثقافات - حتى الآن - على تركيب معيّن من ضربي الذكاء اللغوي والمنطقي، وإذا كنا لا نجادل في أهمية هذا التركيب للتمكن من أجندة المدرسة إلا أننا غالينا في تجاهل ضروب الذكاء الأخرى داخل المدرسة وخارجها. جاعلين بذلك كثيرًا من التلاميذ الذين يفشلون في إظهار المزيج المناسب يعتقدون أنهم أغبياء, ولم نستفد من الطرق التي يمكن بواسطتها استثمار ضروب الذكاء المتعددة لتوسيع أهداف المدرسة والثقافة عمومًا.. (انظر كتاب العقل غير المدرسي)
كما أنّ آلية بقاء الطلاب في صفوف على هيئة معيّنة لتُلقى لهم معلومات محدّدة بصورةٍ معيّنة, دون عناية بالفروقات فيما بينهم, يزيد من ضعف المستوى العام للطلاب.
يتعلم الطالب في المدرسة لغة لا يستخدمها, ولا يراها في البيئة خارج المدرسة، فينتج عن ذلك حالة أشبه ما تكون بالفصام التربوي بين المجتمع الداخلي للمدرسة والخارج، وهذا يشمل المعلم وجميع العاملين في الميدان التربوي.
لا توجد علاقة للمدرسة بمؤسسات المجتمع الأخرى – بجميع أشكالها – ومنها وسائل الإعلام, وتفضل المدرسة بسبب اللوائح والأنظمة الانفصال عن المجتمع وعن مؤسساته ولهذا أثر على الطلاب كما لا يخفى ذلك على المتخصصين.
•        النظم التربوية قد تقدم كلامًا جميلاً لأهداف (كالفهم) أو (المعرفة العميقة) وقد ثبت في الواقع أنها تلحق الضرر بعملية السعي لتحقيق هذه الأهداف, ففي بعض الأحيان تعتبر هذه الأهداف مثالية أو غير واقعية إلى درجة تبعث على اليأس..
•        يرى البيروقراطيون التربويون أنه ينبغي على المدارس صناعة مواطنين يظهرون بعض المهارات الأساسية وفي وسعهم أن يقوموا بعمل أو مهنة ما, لكن الواقع أنه حتى هذا لا يحدث حتى في أفضل الحالات!! إذ يخرج الطلاب وهم لا يتقنون أي شيء مفيد لهم عمليًا مما يضطر معه المجتمع بجميع مؤسساته الحكومية والأهلية لإعادة تأهيلهم ليتقنوا بعض المهارات.
•        تبدو المدرسة كما لو كانت في عالم آخر بينما نجد أن العالم الحقيقي يجده الطلاب في أماكن مثل(وسائل الإعلام أو السوق أو الأندية أو الشوارع الخلفية).
•        وأكثر ما توجد المتعة واللذة مع الأصدقاء والأقران في الشارع وليس المدرسة.
•        وقد تكون المتعة -مع الأسف- في البحث عن الإثارة التي قد تصل إلى حد تعاطي المخدرات والعنف والجريمة..
نتائج واقع المدرسة اليوم
إذا اعتبر أحدنا المدرسة مجرد مكان تلبى فيه معايير معينة للحصول على شهادة فلن يهم الطالب ما الذي سيفعله بعد ذلك بالمهارات والمعرفة التي اكتسبها هناك، بل إنه قد يتسامح في التحصيل والفهم، إذ لا قيمة لذلك أو ربما كان ضارًا لأنه سيعطله ويأخذ من وقته، ولذا فلن نستغرب من كثرة محاولات الغش والتحايل على أنظمة المدرسة مادام أن الهدف هو فقط الحصول على الشهادة التي تعتبر مجرد جواز مرور لمؤسسات المجتمع التي يفترض أن تقوم بإعادة تأهيل لخريجي المدارس سواء كانت جامعات أو مصالح ومؤسسات حكومية أو مؤسسات أهلية وتجارية.
كما أن ما سيأتي في وصف واقع الطلاب والمعلمين هو نتيجة لواقع المدرسة وما يمكن أن تنتجه.
واقع الطالب اليوم
-كثير من الطلاب الذين يفشلون في إظهار ما تمليه عليهم المدرسة يعتقدون أنفسهم أغبياء.
-ولا يعلم الطالب أصلاً لماذا يذهب إلى المدرسة كل يوم إذا كان ما رآه بالأمس هو ما سيراه اليوم. ولو قدّر لك أن تسأل الطلاب عن أسباب مجيئهم إلى المدرسة لما خرجت بشيء مجدٍ - في الغالب - سوى عموميات حفظوها منذ مراحلهم الأولى.
-مهما كان المعنى الذي حملته المدرسة- يومًا ما- لمعظم الصغار في مجتمعنا فإنها لم تعد ذات معنى لكثير منهم، إذ لا يستطيع كثير من التلاميذ- ولا المعلمين والآباء تقديم أسباب مقنعة للالتحاق بالمدرسة ! ولا تتعدى الأسباب التي تحصل عليها سوى أن هذا هو الطريق الوحيد للحياة.
-اللغة التي يستخدمها الطالب في المدرسة تختلف عن ما يستخدمه في حياته اليومية سواء في ذلك تخاطبه مع أسرته أو مع وسائل الإعلام.
-كما أن كثيرًا من المصطلحات والتعاريف والموضوعات التي يدرسها قد لا يحتاجها أصلاً طوال حياته، وأخبرني معلم رياضيات أنه يشرح لطلابه بابًا في المقرر المدرسي وعند انتهائه منه يقول لطلابه إن هذا الموضوع لن تروه بعد ذلك حتى آخر عمركم إلا ما يرد في اختبار هذا العام، ولي مع مقرر مادة علم النفس ملاحظة مثل ملاحظة أخي معلم الرياضيات، إذ إن هنالك معلومات تفصيلية لا يمكن بأي حال أن يحتاجها الطالب حتى ولو تخصص في المرحلة الجامعية.
-يجبر الطالب في النظام الدراسي مهما كان سنه على الجلوس على الكرسي لمدة 6 ساعات تقريبًا بشكل يومي في تهميش شديد لحاجات النمو (الجسمي –الحركي-الاجتماعي –الانفعالي- العقلي المعرفي) فيبقى التركيز مستمرًا على الجانب العقلي المعرفي (بشكل قاصر)؛ وكم عانينا ونعاني في إدارة مدارسنا بشكل يومي لضبط الطلاب وخاصة حينما يغيب معلمهم فكأننا ندفع ضريبة مخالفتنا لسنن النمو الإنساني.
إذ لا يُعقل أن يبقى الطفل والفتى الشاب الذي يحتاج إلى حركة مستمرة طوال الأسبوع معطلاً عن الحركة فيما عدا الفسحة وحصة البدنية اليتيمة والاصطفاف الصباحي الذي يشكل عبئًا أكثر مما يكون مشوقًا.
إذا سئل صغار الطلاب الذين يذهبون إلى مدرسة تقليدية ـ عما فعلوه في المدرسة ذلك اليوم فغالبًا ما نسمعهم يجيبون «لاشيء» وإذا كانت هذه الإجابة كرد فعل سريع، فإنها تعبر عن حقيقة عميقة لأن المدرسة شيء أشبه ما يكون بنظام جامد يُطلب فيه أن يُفعل شيءٌ للتلاميذ وليس للمعلمين فيبقون هم دون أي تغيير يذكر.
نتائج واقع الطالب اليوم
أكثر الطلاب يتخرجون من المدرسة دون إتقان للمهارات الأساسية من قراءة ومسائل رياضيات أساسية ولا حتى حفظ وقراءة متقنة للقرآن الكريم. وإذا وجدت المتقنين فإن السبب سيكون بغير شك راجعًا إلى همة الطالب أو أسرته.
وإذا جئت للسلوك والآداب-حُسنًا وقُبحًا- ستجد أيضًا أن الغالبية العظمى تعود لمؤثرات خارج أسوار المدرسة وقد نجد كأولياء أمور بكل أسف أن أبناءنا الذين نجتهد في تربيتهم يعودون إلينا من المدرسة وقد حملوا أخلاقًا سيئة.
وأجدني مضطرًا بعدُ أن أضم صوتي لمن قال : (إن المدرسة في أساسها مكان لحجز التلاميذ أكثر من تربيتهم..).
واقع المعلم اليوم
معلم اليوم هو نتاج لهذه المدرسة، وقد كان طالبًا فيها، فكثير مما سبق ينطبق عليه ومع ذلك فقد زاد رصيده من خلال توجهه للتخصص في مجال التربية وعليه أن يواجه الكثير من المطالب التي افتقد الإعداد لها بشكل جيد وما لم يكن المعلم مرنًا بشكل ذاتي ويسعى لتطوير ذاته ويستغل كل الإمكانات المتاحة ليرتقي بأدائه فإننا سنفاجأ بعبء آخر حينما يكون من ننتظر منه الحل سببًا في مشاكل أخرى.
وما لم نلتفت لحال المعلم بشكل جدي ونأخذ بيده فلن نتقدم خطوة إلى الأمام بل سنجد أنفسنا بدل أن نتقدم خطوة واحدة قد تراجعنا عشر خطوات:
1-  نحن نريد من المعلم أن يعتني ويطبق استراتجيات حديثة في التدريس ونريد منه أن يعتني بجوانب تنمية التفكير والإبداع ولكن:
هل قمنا بتدريبه على الطرق المناسبة والآليات التي تنير له الطريق؟
2-  نتوقع منه برامج النظرية البنائية
ونحن ندربه بواسطة السلوكية!
أم أن قصارى ما نفعله من أنشطة هو إصدار نشرة وكتيب جاف ولقاء عام يقوم بها مشرف تربوي -هو أصلاً معلم- ثم نعاتبه بعد ذلك على عدم تنفيذه لتطوير التعليم!
إن مطالبنا هذه تحتاج إلى تأهيل ربما يمتد إلى سنوات فإذا كان إعداد المعلمين في كليات التربية وتهيئتهم لتطبيق النظرية السلوكية في التعليم استغرق أربع سنوات مع بساطتها واعتمادها على أسلوب التلقين والمحاضرة، فكيف نتوقع منه أن يكتسب آليات وبرامج النظرية البنائية ويتبناها خلال أسابيع أو حتى شهر من التدريب المتقطع والذي نمارسه مع المعلمين بالاعتماد على النظرية السلوكية من خلال المحاضرة والتلقين؟
3-  كما أننا نتوقع منه أن يكون معلمًا فعالاً يطور أداءه ويُفعل الأنشطة!
ونحن نقيده بالأنظمة واللوائح التي نحاسبه لو خالفها وضعف البند المالي. وقد سألت ذات مرة مشرف صفوف أولية عما لو دخل إلى صف أول ووجد الطلاب يلعبون ويتقافزون وسأل الأستاذ عن سبب ذلك فقال إنهم يعلمهم من خلال التعليم باللعب فهل تقبل ذلك بصفتك مشرف؟ فقال: لا، قلت ألا تعرف شيئًا عن التعليم باللعب فقال: بلى، ولكن النظام يقيد تعاملي وفق طرائق معينة.
4-  كما أننا نتوقع من المعلم أن يدرب الطلاب على التفكير والابتكار والاستقصاء، ثم نحاسبه على إجابات الطلاب المغايرة لما في الكتاب.
5-  نحن نطلب من المعلم أن يعمل بإخلاص ودائمًا ما نذكره بفضل المعلم وعظم أجره عند الله وما ينتظره من ثواب، كما أننا نطلب منه أن يقوم بتوفير ما يحتاجه من وسائل غير متوفرة في المدرسة وأن يبدع وسائل جديدة من صنعه ونحثه على احتساب عمله وأجره على الله، ونذكره بأنه خير من غيره الذين يتمنون مكانه؛ لكن مع كل ذلك هل أعطيناه حقوقه النظامية التي كفلها له النظام المكتوب أم أننا نماطله سنة بعد أخرى حتى خط الشيب فوديه دون أن يرى من تلك الوعود شيئًا. ألا نتوقع أن يكون لمثل ذلك أثر سلبي على أدائه.
6-  الأنظمة والإجراءات يخضع لها كل المعلمين والمديرين من غير خيارات -إلا أشياء طفيفة لا تذكر- وكل ما ننادي به من كون المعلم شريكًا في العملية التربوية وواجبه تجاه تطوير التعليم لا تعدو أن تكون كلمات غير ذات حقيقة في الواقع.
وهذا ما جعل كثيرًا من المعلمين ينصرفون عن تعليم أكثر جدوى حتى لا يصدموا باللوائح ولا يتعرضوا لملاحظات من رؤسائهم الذين يكونون في الغالب قد تشربوا النظام التعليمي السائد بعجره وبجره, ولا يبقى بعد ذلك كله إلا جهد قليل –لا يكاد يذكر- من قلة يحرصون على تعليم الطلاب بشكل متميز..
نتائج واقع المعلم اليوم
**نتيجة لكل ما سبق فإن المعلمين سيأخذون المدرسة بشكل أقل جدّية.. والمحسن منهم من يقوم بالحد الأدنى الذي يعفيهم من المساءلة والعقاب، كما أنه سيصيب أداءهم بالتدني في المستوى كنتيجة طبيعية ونتاج للمدرسة التي تخرجوا منها ثم عادوا للعمل فيها بحسب الظروف التي يتعرضون لها، ومما أدى لهذا الضعف الظاهر على المعلمين كونهم من خريجي هذه المدرسة أصلاً، أضف إلى ذلك أن ضعف المدرسة الذي لم يحدث بين يوم وليلة قد انتقل إلى المعلمين تدريجيًّا على مدى سنوات قد تزيد عن العقد من الزمان، ويمكنني أن أقول بشكل مبدئي وسريع إن تدني مستوى المعلمين بشكل عام-في وجهة نظري- إنما بدأ لسببين، الأول كليات المعلمين التي طورت من معاهد للمعلمين إلى كليات من حيث المستوى الأكاديمي، ولكن ذلك لم يصاحبه تطوير عملي حقيقي في الخطط والمناهج، والسبب الآخر هو عملية السعودة لقطاع التعليم العام التي تمت بسرعة واستعجال بشكل يبدو أنه غير مدروس، وصاحب ذلك تسريح معلمين ذوي خبرة غير سعوديين، كما أن التوظيف في تلك الفترة كان يوجه الخريجين إلى قطاع التعليم بشكل شبه كامل مما جعل الاتجاه للعمل في التعليم العام شبه إجباري، ولذلك أثر في انعدام وتدني الدافعية لدى المعلمين الذين دخلوا التعليم من أجل الوظيفة فقط.
وليس هذان السببان هما الوحيدين لضعف مستوى المعلمين، بل هنالك أسباب عديدة حاولت استقراءها، وهي كما يلي:
أسباب ضعف المعلمين
•        ضعف إعداد طلبة الكليات التربوية (بما فيها كليات المعلمين).
•        عزوف الأشخاص المتميزين عن التعليم.
•        انعدام عناية غالبية المعلمين بالتعلم والثقافة (معلم المدرسة العادي لا يقرأ أكثر من كتاب في العام حسب استفتاء عشوائي قمت به).
•        كثرة المطالب الملقاة على عاتق المعلم.
•        عدم حصول المعلمين على حقوقهم التي يقرها النظام الوظيفي لهم وتأخيرها عليهم.
•        انعدام الحوافز للمعلمين المتميزين.
•        عدم وجود شعور بالانتماء للمهنة حتى بين المتميزين.
•        افتقاد الشعور بالأمن الوظيفي.
•        عدم وجود إجراءات حاسمة مع المهملين.
•        ضغط المعلمين الكسالى على زملائهم المتميزين.
•        فرض مجموعة من الإجراءات والقواعد التنظيمية التي تعيق المعلم المتميز وكثيرًا ما نمارسها نحن مع المعلمين.
•        دور وسائل الإعلام السلبي تجاه المعلمين.
إن هذا الضعف أدى إلى اهتمام الكثير من المعلمين بأداء الحد الأدنى من متطلبات الوظيفة التي تجنبهم المساءلة النظامية مما يجعلني أشعر في بعض الأحيان بأن المدارس كما تشكل حجزًا للطلاب لحفظهم من الضياع في الشوارع، تشكل ضمانًا اجتماعيًا للمعلمين ليكفل لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
أين الإشكـــال؟
مشكلة التعليم المعاصر لا يمكن اختصارها في أسباب محددة بمعزل عن المجتمع والأمة وتاريخ التعليم في العالم قديمًا وحديثًا، وحصر الأسباب يحتاج إلى دراسات متشعبة وعلوم متعددة، لأن التعليم-ومؤسساته- يمتد طولاً وعرضًا في المجتمع زمانًا ومكانًا؛ وسأحاول أن أذكر بعض الأسباب التي توصلت إليها حتى الآن، علمًا بأن هذا الاستقراء لا يعني حصر أسباب هذه المشكلة وإنما هو ما استطعت أن أصل إليه، وفوق كل ذي علم عليم:-
1-  التخلف العربي:
أليس من العجيب أن العرب الذين وضعوا المنهج التجريبي وقواعد التفكير العلمي تنازلوا عن مكانتهم مبكرًا؟.
2-  الأنظمة السياسية على مرّ التاريخ أرادت تحويل المدرسة إلى مصنع لنسخ صور مكررة لأسباب مختلفة من أهمها تخريج عاملين لمؤسساتها.
3-  قيام المدرسة في العصر الحديث على التجارب والنظريات الغربية، وخاصة السلوكية التي طورت في أمريكا. ولعل أهم أسباب انتشار السلوكية وارتباطها بالمدرسة المعاصرة هو قلة تكلفتها المادية وسهولة تطبيقها؛ إذ تعتمد على أدنى مستويات التفكير في الكثير من أنشطتها.
4-  غياب التجارب الأصيلة عن الميدان في مجتمعاتنا العربية بسبب عدم وجود دعم مادي أو مراكز أبحاث، وعدم وجود تسويق إعلامي لهذه التجارب إن وجدت.
5-  لعل من أهم وأخطر الأسباب حقيقة القول بأن من يملك القرار لا يعلم شيئًا عن الممارسات اليومية في الميدان. كما أن من يملك المعرفة بما في الميدان لا يملك القرار، ولا يُسمح له بذلك أصلاً.
6-  طورت الإدارات البيروقراطية للمدارس آلات حماية قوية غالبًا، تستبعد أي ضرب من الإصلاح له معنى أو تخنقه قبل أن تتاح له الفرصة فيشتد عوده..
7-  نظم الاختبارات التقليدية تعد مؤشرات يسهل ترويضها لتثبت للبيروقراطيين أن التعليم يسير في الطريق الصحيح حسب ما هو مخطط له..
8-  الإحصائيات الموجهة تساعد البيروقراطيين لتوجيه التعليم حسب الوجهة التي يريدونها.
مـــا هـــو الحـــل؟
لعل بعض القراء يتشاءم وهو يرى تجذر المشكلة وشمولها لجوانب المجتمع المحلي والدولي بشكل عام، إذ قد يتفاجأ البعض بأن هذه المشكلات التي نعاني منها في مدارسنا لا تخصنا وحدنا، بل تشمل معظم مجتمعات العالم، بدءًا بأمريكا التي وضعت أنظمة المدرسة الحديثة ومرورًا بكثير من المجتمعات الدولية وحتى المجتمع العربي.
وسنستعرض هنا بعض الحلول المتاحة والتي تعتمد على إصلاح نظام التعليم بشكل متكامل؛ إذ إن محاولات الإصلاح الجزئية المعتمدة على التلفيق وترقيع النظام لم تجدِ شيئًا حتى الآن، وهنالك نداءات عالمية ومحلية بإصلاح أنظمة التعليم إذ أصبحت ضرورة لا يمكن لأي مسئول أن يتجاهل أبعادها الاجتماعية. ولعل أفضل وصف للنظام التعليمي الحالي أنه رقع ممزقة ومزق مرقعة في وصف بليغ لحالة التعليم العام، إذ إنه وُضع قبل عقود طوال ومازالت الحياة تتطور وهو باقٍ يراوح مكانه، وكل ما يجري من تطوير إذا حدث فإنما هو من باب الترقيع للثغرات التي تحدث فيه، وقد آن للقائمين على التعليم أن ينظروا له نظرة شمولية فما كان يصلح لأجدادنا فإنه لا يصلح الآن، وقوانين التغير الاجتماعي والتطور لا تحابي أحدًا، وعليه فإننا يجب أن نرقى بالتعليم ليفيدنا ولئلا يبقى مشكلة كما عبر وزير تربية سابق عن ذلك حينما قال: عقدنا مؤتمرًا لحل مشاكل التعليم العربي فوجدنا أن التعليم برمته مشكلة.
وهذه الحلول إنما تقوم على القناعة بأن نظام التعليم لكثرة التعديل والترقيع غدا مشكلة المشاكل، ولهذا فإن من أوجب واجباتنا أن نسعى لإصلاحه، وانطلاقًا من هذا حاولت مقاربة الحلول التي جمعتها من خلال مصادر مختلفة وأرجو أن يكون فيها ما رجوته من إصلاح، وهي كالتالي:
1-  إرادة التغيير:
قال ربنا عز وجل: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم), وقال تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة), وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (من يتحر الخير يصبه، ومن يتوق الشرّ يوقه)
2-  الخروج من الحلقة المفرغة:
من الأسهل على الناس أن يغيروا ما يعملون لا أن يغيروا كيف يعملون. وهذا يعني إعادة صياغة التعليم العام وهيكل المدرسة بشكل كامل.
3-  تقنين الأنظمة والإجراءات ووضوحها:
كثير من المشكلات الموجودة في الميدان سببها عدم وجود نظام واضح فيختلف الحل باختلاف المناصب والأفهام والخبرة بالميدان.
ولا تستغرب وجود تضارب بين إدارة وأخرى حيال مشكلة واحدة فيضيع الوقت والجهد في فرض الرأي والجدل الذي يعقد المشكلة أكثر مما يحلها.
4-  الحل في الداخل وليس في الخارج:
تتجه مؤسساتنا الحكومية لحل مشكلاتها إلى الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية، وتضع الخطط بناءً على توصياتها، مع أن تلك البيوت تستهلك كثيرًا من الوقت في محاولة إدراك خصائص مجتمعنا، ومع ذلك لا تفلح في تصور حاجاتنا. بينما لدينا في الميدان من المتخصصين والمؤهلين لأداء أفضل وتكلفة أقل وزمن أقصر ورؤية أشمل.
5-  إصلاح وضع المدرسة بشكل عاجل ووضع خطط قصيرة المدى:
ولابد عند وضع هذه الخطط السريعة على المدى القصير أن تركز على الجوانب الرئيسة التي تمثل أهم الجوانب لإصلاح المدرسة والتي لابد منها سواء في الحل السريع أو في الخطط طويلة الأمد، وهي:
إعداد المنهج-إعداد المعلم - التقييم - تقديم دعم من المجتمع الحكومي والأهلي للمدرسة
6-  الشمولية في وضع الخطط طويلة المدى:
وضع خطط طويلة المدى على أن يراعى فيها جانب الشمولية لجميع عناصر النظام التعليمي وعدم الاقتصار على محاولات ترميم مؤقتة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق