السبت، 26 أكتوبر 2019

تنوع أساليب عرض الفكرة في حديث طول الأمل

46

الحمد لله رب العالمين ،الحمد لله الذين خلق وهدى ،ثم الصلاة والسلام  على رسوله الأمي الذي كمَّله ربهم بكل كمال بشري ، ثم بعثه معلما {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2] فجعله خير معلم ،ومرشد، وهادي. والمتلمس للمنهج النبوي في تعليم وتوصيل رسالته؛ ليعجب لتنوع ،وكثافة الأساليب التربوية التي كان يستخدمها مع من يدعوهم .
وهنا نقف ونُلمح لإحدى هذه الأساليب ألا وهي عرض الفكرة الواحدة بأكثر من أسلوب وطريقة
. ولا يخفى أن هذا التنوع  مؤثر في التعليم من أوجه :
الوجه الأول: تنوع الأسلوب أدعى لتوضيح  الفكرة فما قد يخفى هنا قد يظهر في الأسلوب الأخر.
الوجه الثاني: تنوع الأسلوب أقوى في تثبيت المعلومة ورسوخها في الذاكرة  لأنه بتنوع الأساليب  تتعدد الحواس المستخدمة والمُخَاطبة فيقوى التذكر لها .
الوجه الثالث: بتنوع الأسلوب تصل الفكرة لأكبر  عدد ممكن من المُتلقين لأن كل أسلوب يخاطب نوعا من أنواع الذكاء  ونمطا من أنماط التعلم لدى المُتلقين  فإن لم يتمكن بعضهم من فهم الفكرة بأسلوب فقد يستوعبه بالأسلوب الأخر .
وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم تنويع الأسلوب عند تعليم وترسيخ مفهوم طول الأمل عند بني آدم و قصر أجله ،فقدمه صلى الله عليه وسلم في عدة أساليب . فأحببت الوقوف معها. علما أن الإشارة للفكرة في الحديث استفدتها من الأستاذ: فهد إبراهيم الفعيم في كتاب[ الوسائل التعليمية في السنة النبوية مسند الإمام أحمد نموذجا]  ص 23 .  فقمت بجمع مرويات الحديث من كتب السنة عامة والتعليق عليها من الجانب التعليمي .
تنوع أساليب النبي صلى الله عليه وسلم  التعليمية في عرض حديث طول الأمل وقصر الأجل.
أولا:   استخدام لغة الجسد :
وفيه استخدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث إشارات :
الأولى : عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رسول صلى الله عليه وسلم جمع أصابعه فوضعها على الأرض ، فقال : هذا ابن آدم ، ثم رفعها فوضعها خلف ذلك قليلا ، وقال : هذا أجله ، ثم رمى بيده أمامه قال : وثم أمله." . ([1])
الثانية : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ابن آدم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها فقال :وثم أمله ،وثم أمله "  ([2]) .
الثالثة:  عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : هذا بن آدم ووضع يده تحت ذقنه ثم بسط يده فقال: هذا أمله " ([3])  .

ثانيا:   استخدام الرسم التوضيحي :
عن أنس رضي الله عنه قال خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال هذا الأمل وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب. ([4])
عن عبد الله بن مسعود  رضي الله عنهقال: "خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ،وخط خطا في الوسط خارجا منه،وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال : هذا الإنسان وهذا أجله محيط به ، أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله ،وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا.([5])
اختلاف ألفاظ الحديث يحتمل أنه تنوع في الرسمة ويحتمل أنها واحدة اختلفت باختلاف التعبير عنها  ولذلك رسمها العلماء بصور مختلفة نقلها ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري:
09
فإن قيل بتعدد الرسمات من النبي صلى الله عليه وسلم فهذا فيه توضيح الفكرة رسما بعدة صور لتسهيل وصول الفكرة .

ثالثا:   استخدم أدوات حسية  :
عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه :" أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز بين يديه غرزا، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده، ثم قال: " هل تدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا الإنسان، وهذا أجله، وهذا أمله يتعاطى الأمل والأجل، يختلجه دون ذلك ." ([6])  .
ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح هذه الرواية وذكر فيها :[ غرز عودا ] ولم أجده في المسند كما عزاه ولا في غيره ولكن نأخذ منه أن الغرز كان بأداة محسوسة باللمس والمشاهدة مما يساعد في جذب الانتباه والتذكر وتوضيح الفكرة .

بعد هذا العرض القصير  للكم الهائل من أساليبه صلى الله عليه وسلم في عرض فكرة واحدة قد يُكتفى بتقديمها بطريقة إلقائية لفظية يدلك على عظمة هذا المعلم الذي أرسله الله تعالى كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم:« .. إن الله لم يبعثنى معنتا ولا متعنتا ولكن بعثنى معلما ميسرا »رواه  مسلم .   فصلوات ربي وسلامه عليه ما غابت شمس وأشرقت وما نمت شجرت وأزهرت ، والحمد لله رب العالمين  .
كتبه
د.سليمان بن أحمد السُّوِيْد
الدمام :      s_saweed@
الهوامش
_______________
([1]) مسند أحمد موافقا لثلاث طبعات (3/ 123) قال الأرناؤوط :" إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم ".
([2]) والترمذي (2334) قال الترمذي:" هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أبي سعيد" ، وابن ماجه (4232) ، وابن حبان (2987) . ذكره ابن حجر في الفتح ولم يتعقبه :11/238،وصححه الألباني .
([3]) المعجم الأوسط (1/ 223) قال الطبراني بعد ذكره:"  لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا مصعب بن ماهان ولا عن مصعب إلا عمرو بن أبي سلمة تفرد به أحمد بن عيسى" .
([4]) صحيح البخاري  برقم : 6418  .
([5]) صحيح البخاري  برقم : 6417  .
([6]) رواه أحمد : 3/18قال الهيثمي في مجمع الزوائد :" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة" . قال ابن حجر فتح الباري لابن حجر (11/ 238):" وفي الباب عن أبي سعيد قلت أخرجه أحمد من رواية علي بن علي عن أبي المتوكل عنه ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا بين يديه ثم غرز إلى جنبه آخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هذا الإنسان وهذا أجله وهذا أمله".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق