
يزخر الأدب التربوي بالعديد من الدراسات والنظريات والأفكار التربوية التي تُعنى بشـؤون التعلّم والتعليم، ولعل من أبرزها
ما يتمثل في عدد كبير من النظريات التربوية وتطبيقاتها التي تمس واقع المدرسة الحديثة بجميع أركانها من معلم وطالب ومنهاج وبيئة مدرسية، وإنَّ المتمعن في الفكر التربوي عبر عقود متتالية سيجد أنَّ هناك العديد من النظريات التربوية وتطبيقاتها يشوبها الغموض أو التعقيد أو الصعوبة في إجراءات تطبيقها في عددٍ من البيئات التعليمية، والمعلم عندئذٍ يجد مفارقات عجيبة وكبيرة بين الجانب العلمي النظري وبين الواقع العملي التطبيقي ؛ ومن أجل ذلك يُطلب من المعلم جهودا كبيرة ومضنية لتذليل العقبات عند البدء بإجراءات التطبيق في البيئة التعليمية.
من هذا المنطلق استوقفني كتاب «علّم بثقة» لمؤلفه: (دوغ ليموف)؛ ذلك الكتاب الذي جمع فيه مؤلفه تسعة وأربعين أسلوباً تعليمياً تهدف في مجملها إلى الرقي بالموقف التعليمي، وقد قرن المؤلف كلامه النظري في أغلب الأحيان بمجموعة من المشاهد الصفية سُجلت لمجموعة من المعلمين المتميزين الذين يحرصون على إشراك طلبتهم وإدماجهم في موضوع الدرس ؛ ليصبحوا عندئذٍ أكثر قدرة على التعلّم وأفضل إتقاناً لمهارات الاتصال والتواصل، وكلّ ما ذكره المؤلف في كتابه من أساليب تعدُ من الأدلة المساعدة للمعلم في أداء مهامه التربوية والتعليمية الأساسية في مجال إدارته الصفية وفي مجالي تعلّم طلبته وتعليمهم ضمن إطار من الثقة التي تُمنح للمعلم بإرادته وعزمه وإصراره على العطاء بمتعة وتفان وإبداع.
لقد كان لأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين وبدعم من جلالة الملكة رانيا العبد الله الفضل الكبير في إشهار كتاب « علّم بثقة « وذلك بالمبادرة بإطلاق النســخة العربية للكتاب، والأكاديمية تسعى إلى تدريب مهني لعدد كبير من المعلمين على أساليب التدريس التي يتضمنها الكتاب لما فيه من معلومات قيّمة جديرة بالدراسة والتدريب والتطبيق.
حرصت أن اطلع على الكتاب بتمعنٍ من خلال دراسة أفكار المؤلف وآرائه وتحليل الأساليب التعليمية التي عرضها في كتابه ؛ فوجدت أنَّ هذا الكتاب جدير بأن يُمنح الثقة لأسباب عديدة أجملها بما يلي :
التركيز على التعريف بالخبرات العملية لدى مجموعة من المعلمين المتميزين والاستفادة منها من خلال التوصّل إلى المواقف الناجحة والمضيئة التي تشكل نبراساً يضيء درب المعلم الحريص على النهوض بمستوى عطائه عند تنفيذه لأنشطته الصفية وغير الصفية على حدّ سواء.
إنَّنا نجد أنَّ مؤلف الكتاب قد عرض العديد من المشاهد التعليمية بأسلوب شائق ومدروس واستطاع بذلك أن يطلعنا على واقع شاهده بعين ثاقبة تحرص على اختيار وانتقاء الأفضل والأمثل للمعلمين في الميدان، فقد شاهد كثيراً من الممارسات التعليمية لدى عدد من المعلمين المتميزين وحرص على إبراز تلك الممارسات الناجحة؛ لتكون مثالاً ودليلاً وسنداً لكل معلم يحرص على السير في طريق العطاء بتميّز ووفاء؛ لتصبح بيئته الصفية جاذبة يسودها التفاعل والتقدم والنجاح.
وإنّ من مظاهر حرص المؤلف على الجانب العملي ما عرضه من مشــاهد صفية لدى مجموعة من المعلمين تدعم أفكاره النظرية؛ وذلك بتقديمه مجموعة من المواقف التعليمية المصوّرة التي يسـتقي منها المعلم عدداً من الدروس التي تفيده عند تعلميه لطلبته، وهي مواقف ومشاهد قد تغني المعلم إلى حدّ كبير عن حضور حصة صفية؛ غايتها تبادل الخبرات بين الزملاء.
عدَّ المؤلف مهنة التعليم فن ومهارة ؛ فالمعلم المبدع فنّان ماهر يشكل بنجاحاته صوراً جميلة باهرة تريح النفوس وتسحر الألباب، فهو يعلّم بطريقة تتسم بالإبداع ويصمّم على تحقيق أهدافه بإيمان لا يعتريه ملل أو تكاسل أو تخاذل مهما طال به العمر ومهما كُثر عدد المحبطين من حوله.
لقد ركّز (دوغ ليموف) في نهاية كتابه على مهارة القراءة، فهي أساس لعملية التعلّم؛ فالطالب لا يتقدم ولا يتحقق له النجاح ولا التفوق إلا من خلالها، فطرح المؤلف مجموعة من الأساليب التي تساعد المعلمين ليكونوا معلمي قراءة ناجحين، فذكر مجموعة من الأمثلة كأساليب مفيدة لتدريس القراءة في اللغة الانجليزية ولكنها أساليب مفيدة أيضاً لمعلمي اللغة العربية، وهي تساعد الطالب في جوهرها على أنماط القراءة في لغتنا الجميلة، ونعلم جميعاً أنَّ مهارة القراءة مطلب ملح لجميع الطلبة في أي بيئة يعيشون ولأي أي أمة ينتمون ؛ لأنَّ القراءة تعدّ إحدى مهارات الاتصال التي يحتاجها الطالب عند تعلّمه في مدرسته وعند اتصاله مع الآخرين في حياته اليومية.
إنَّ ما ورد في الكتاب من أساليب تتصف بالواقعية وهي قابلة للتطبيق ويستطيع المعلم بحكمته وخبرته أن يُعدّل من بعض إجراءاتها التي تحتاج إلى ذلك، وهو سيجد فائدة كبيرة في مجموعة الأساليب العملية التي عرضها المؤلف من واقع يمارسه المعلمون في كثير من مواقفهم التعليمية.
في الكتاب أساليب تعليمية متنوعة تساعد المعلمين على تحسين أدائهم وهي تسهم بفاعلية في تحسين مستوى تعلّم طلبتهم فيصبحون طلبة ناجحين ومتميزين وذلك بإدماجهم في الأنشطة الصفية ضمن بيئة مدرسية جاذبة تحكمها سلوكات تربوية إيجابية وأنشطة تعليمية مفيدة وممتعة.
أستطيع القول: أنَّ ما ذكره (دوغ ليموف) في كتابه يعدّ من الثمار اليانعة لغراس تعهدها مجموعة من المعلمين، وقام المؤلف برصدها ودراستها وقدّمها لنا كنموذج يستطيع المعلم أن يجعلها مرجعاً مهمّاً يستقي منه فوائد عظيمة عند تعليمه لطلبته.
لقد درست مجموعة الأساليب والأمثلة التي احتواها الكتاب فوجدت أنَّ جُلَّ تلك الأساليب والأمثلة يستخدمها كثير من معلمينا بمهارة فائقة دون معرفتهم للتسميات التي ذُكرت في الكتاب، وأرى أنَّ في الكتاب الكثير من الأساليب التي تشكّل دعائم متينة للمعلم ؛ ليعلّم بثقة وبصيرة وتفانٍ وللطالب؛ ــ ليتعلّم برغبة ومتعة وإبداع ــ، ويسـتطيع المعلم أن يستلهم المغزى منها ويدرك أهميتها، فيعمل على تطبيق ما لا يجد منها لديه، وينهض بمستوى بعضها الآخر مما يطبّقه ولكن يحتاج إلى تقويم وتهذيب، ويعزز ما وجد لديه من أساليب تحاكي ما ذكره المؤلف، أو خرجت عن الأساليب المذكورة في كتاب المؤلف ويعتقد جازماً أنَّها من الأساليب الناجحة التي ثبت جدواها في مواقف تعليمية متعددة، وقد يستذكر المعلم ملامح لمجموعة من الأساليب التي يطبّقها مع طلبته بطريقة مختلفة، فيجتهد على تفعيلها ويتمسك بها لأثرها الإيجابي في النهوض بمستوى تعلّم طلبته وتعليمهم.
إنَّ منحنا الثقة لكتاب «علّم بثقة» لا تعني أبداً أننا نجد فيه ما لم نجده في الفكر التربوي وفي تطـبيقات المعلمين المُثلى؛ ولكـننا نقول بأنَّ في الكتاب إجراءات عملية مميزة تفيد المعلم في عـمله الميداني، وهو يحوي بين دفتيه مجموعة من الإضاءات التي يحتاجها المعلم في تسهيل عمله، وهي تعدّ شهادات صادقة من أسفار معلمين تحفل صفحاتها بالعطاء والتفاني.
وفي المقابل لذلك نشير بفخر واعتزاز إلى أنَّ المعلم في وطننا الأشم يُقدم نماذج مشرقة لمواقف تربوية وتعليمية فريدة ومميزة نستطيع أن نجعل منها منارات يُهتدى بها، وهي تُقدّم كشاهد عملي على إبداع معلمنا الأردني وتفانيه من أجل الوطن والإنسان.
فإلى زملائي المعلمين: اجعلوا من دراستكم لكتاب: «علّم بثقة» جسراً تعبرون به إلى ضفاف المعرفة والحكمة والأداء المميز الذي تحرصون عليه عند تنفيذ واجباتكم المهنية بأمانة وإخلاص، وأيقنوا أنَّ عملكم الدؤوب سيصبح بهمتكم العالية شاهداً عظيماً تحفظه الأجيال، وستكون خبراتكم نجماً ساطعاً يهتدي به الباحثون عن الحقيقة والسائرون في طريق العلم من أجل مستقبل مشرق واعد.
إليكم أيها الزملاء الأوفياء، يا أصحاب الرسالة السامية: أخاطب فيكم روحكم الزكية وعزيمتكم القوية: اعلموا أنَّ تحقيق المعلم للأهداف التي يرسمها كلّ عام ليس من المستحيلات، ولكنَّ ذلك يحتاج منّا جميعاً نحن المعلمين أن نبحث عن عوامل نجاحنا في جميع أعمالنا التي نخطط لها، وعلينا أن نسعى إلى التعرف على مظاهر تميّزنا ونعمل بعد ذلك على نشرها ونقل أثرها إلى زملائنا المعلمين وأبنائنا الطلبة، وعلينا التوقف عند مواطن أخرى لدينا تحتاج إلى تحسين فنحرص على النهوض بها لترقى إلى مرحلة القبول ثمّ إلى مرحلة الإتقان والتميّز.
وأخيراً أقول لجميع المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي: أنَّ لدينا طاقات عظيمة وفريدة وممارسات تربوية وتعليمية فُضلى يجب علينا أن نبحث عنها وأن نحرص على تسليط الضوء على مظاهر تميّزها، وواجب علينا أن نعزز أصحابها وأن ننشر قصص نجاحاتهم؛ لتكون مرجعاً لجميع التربويين من معلمين وإداريين وأصحاب قرار.
لنخطط بمهارة وإتقان ولنعلّم بثقة؛ حتى نرسم ملامح الصورة البهيّة التي نتخيلها للغد الآتي، وستكون لا محالة كما نريدها: صورة فريدة وجميلة، ولنتذكر دائماً: أنَّ المعلم الواثق بنفسه وبعطائه الموصول هو الركن الأساس في بناء الحياة، وهو صاحب الفضل في إبراز الصورة كاملة وساحرة، لتشكّل تلك الصورة أجمل ما نشاهده عن الوطن الحبيب وعن إنسانه الوفي المعطاء.
المرجع http://goo.gl/p3WdbR
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق